الجزء الأول

في هذا الجزء الأول من الكتاب، أستكشف عملية التحول إلى النسوية، حيث يمكن أن يوفر التفكير في هذه العملية طريقة للتنظير النسوي، وتوليد رؤى جديدة حول كيفية عمل الجندر كنظام اجتماعي، أو كآلة تميل إلى استبعاد بعض الأجساد، حيث الرؤى حول الجنس وكذلك العرق عالمية. أن تصبح/ي نسويًا ينطوي على مواجهة العالم.

ما هي قصتي النسوية؟ لدي الكثير من القصص مثلك. وكما سأحاول أن أبين، فإن سيرتي الذاتية النسوية متشابكة مع جوانب أخرى من سيرتي الذاتية. كيف يمكن ألا تكون كذلك، كيف أن الحياة فوضوية. أبدأ هذا الجزء من الكتاب بكل بساطة، وأبقى في الفصل الأول أقرب ما يمكن من المنزل، بدءًا من تذكر الأشياء التي حدثت. أعود إلى التجارب التي كانت مؤلمة وصعبة، لكنها كانت حيوية، وأعطتني الحياة لأنها كانت الطريقة التي تم بها توجيهي على مسار نسوي.

إذا بدأنا بالقرب من المنزل، فإننا نتحدث بحرية. سأحاول أن أبين كيف أننا في فهم الأشياء التي تحدث، نستند أيضًا إلى تواريخ الفكر والنشاط التي تسبقنا. وهكذا أفكر طوال الوقت في كيف يمكن فهم النسوية نفسها على أنها موروث عاطفي. كيف تصبح نضالاتنا لفهم الحقائق التي يصعب فهمها جزءًا من صراع أوسع، صراع من أجل أن نكون، لفهم الوجود.

في عملية وصف كيف أصبحت نسوية، يقدم هذا الجزء الافتتاحي من الكتاب أيضًا مقاربة نسوية لبعض مجالات الاهتمام الرئيسية داخل النظرية النسوية وما بعدها: دور الإحساس في تكوين المعرفة، اجتماعية المشاعر. كيف تعمل القوة من خلال الاتجاه والتوجيه، وكيف نفكر في السعادة، وكذلك العلاقة بين الإرادة والقوة. أظهر كيف أن كونك نسوية يعني أيضًا توليد أفكار حول العوالم التي نواجهها. وبعبارة أخرى، تأتي النظرية النسوية من عملية صنع المعنى لتصبح نسوية وتبحر في طريق عبر العالم.

في هذا الجزء من الكتاب يتم النظر في الشخصية النسوية “killjoy” في المقام الأول، من حيث كيفية ارتباطها ببعض تجاربي المبكرة في أن أصبح وأكون نسوية. ستظهر هذه الشخصية في كل مكان. إنها في كل مكان.

النسوية مثيرة

النسوية مثيرة. يكون الشيء مثير عندما يحث الإثارة والاهتمام. النسوية مثيرة بهذا المعنى. ما يثير الاستفزاز في النسوية هو ما يجعل النسوية مجموعة من الحجج التي يصعب تقديمها. نتعلم عن القضية النسوية من خلال حججها المربكة. من خلال كيفية ظهور النسوية في الثقافة العامة كموقع للاضطراب.

عندما تتحدثين كنسوية، عليك أن تتعاملي مع ردود أفعال قوية. قد يتطلب الالتزام بالحياة النسوية الرغبة في إثارة ردود الفعل هذه. عندما تتحدثين كنسوية، غالبًا ما يتم رؤيتك على أنك مفرطة ومبالغة في رد الفعل، كما لو أن كل ما تفعليه هو إثارة حقائق الأمر، كأنك تبالغين في شرح الأسباب والدوافع عن قصد أو حتى عن عمد. في هذا الفصل أوافق على أن الحركة النسوية تبدأ بالإحساس بمعنى الأشياء. أريد أن أكتشف كيف تكون النسوية منطقية بسبب العالم الذي نحن فيه، فالنسوية هي رد فعل منطقي على مظالم العالم، والتي قد نسجلها في البداية من خلال تجاربنا الخاصة. قد نعمل على هذه التجارب، ونفكر فيها. وقد نستمر في العودة إليهم لأنهم لا معنى لهم. بعبارة أخرى، علينا أن نفهم ما لا معنى له. هناك قوة وحياة في هذا العمل. في هذا الفصل، أشارك بعض التجارب التي قادتني إلى الحركة النسوية، والتي يمكن أن أصفها بأنها عملية وعرة وليست سلسة للوصول إلى تسجيل شيء صعب. وفرت هذه التجارب المواد الخام لتعليمي النسوي.

الإحساس بالظلم

غالبًا ما يُفهم الإحساس بما لا يمكن فهمه، فهو ليس استجابة منظمة أو مقصودة لشيء ما. وهنا تكمن أهميته، حيث يترك لك الإحساس انطباعًا غير واضح أو مميز. غالبًا ما يستشعر الجلد الإحساس. وترتبط الإثارة بكل من قوة الإحساس واستثارة الفضول الشديد أو الاهتمام أو الانفعال. إذا كان الإحساس هو الكيفية التي يتصل بها الجسد مع العالم، فإن الأشياء تصبح أكثر إثارة عندما تزداد كثافة هذا الاتصال. ربما في هذا الوقت يصبح الإحساس بالشيء هو قدر أكبر من الشعور به.

غالبًا ما تبدأ النسوية بالحدة، حيث تصطدم بما يسبب لك استثارة تخلف لديك انطباعًا حادًا. يمكن أن يشعرك شيء ما بالحدة دون وضوح سبب حدته. وبمرور الوقت، ومع التجربة، تشعر أن هناك شيئًا ما خاطئًا أو يتسرب إليك شعورًا بالظلم.

الشعور بالظلم. قد لا تكون استخدمت هذه الكلمة من قبل لتصف ما تشعر به، وقد لا تمتلك الكلمات لتصف ما تشعر به، حيث تعجز عن معرفته أو فهمه. يمكن أن تبدأ النسوية بجسد على اتصال بالعالم، جسد لا يجد راحته في هذا العالم، جسد يتحرك ويتململ. ولكن أموره ليست على ما يرام.

اشتملت العديد من التجارب التي مررت بها في سن مبكرة على الشعور بالظلم. كفتاة، تعرضت لاهتمام غير مرغوب فيه من الذكور. حدثت بعض الأشياء، وتكررت. نستشعر بالفعل بعض العواقب، إذا كنا لا نستطيع الفصل بين تجربة التعرض لعنف أو ظلم وبين اعتناقنا للنسوية، فإن ما يقودنا نحو النسوية هو ما قد يتسبب في تحطيمنا.

غالبًا ما يكون العمل النسوي عمل متعلق بالذاكرة. نحن نعمل على تذكر ما نود أو ما نتمكن في بعض الأحيان من نسيانه. بينما كنت أفكر في معنى أن أعيش حياة نسوية، كنت أتذكر في محاولة لربط أجزاء القصة ببعضها. لقد كنت أحاول طمس الماضي. عندما أفكر في الأسلوب الذي انتهجته، أتذكر الإسفنج، مادة يمكنها امتصاص الأشياء، نمسك بها وننتظر لنرى ما يتم تنظيفه. لا يتعلق الأمر بكون عمل الذاكرة بالضرورة هو تذكر ما تم نسيانه. بدلًا من ذلك، تسمح للذاكرة أن تكون مميزة، أن تكتسب بعض الهشاشة أو حتى الوضوح. يمكنك جمع الذكريات مثل الأشياء، لتصبح أكثر من مجرد لمحة خاطفة، حتى نتمكن من رؤية الصورة كاملة، حتى نتمكن من فهم الترابط بين التجارب المختلفة.

ما زلت أتذكر أحد المرات، بشكل حاد للغاية. خرجت لأمارس رياضة الجري بالقرب من منزلي. مر رجل على دراجة هوائية ووضع يده على الجزء الخلفي من سروالي. ولم يتوقف. لقد واصل طريقه وكأن شيئًا لم يحدث، كما لو أنه لم يفعل شيئًا. توقفت وارتجفت. شعرت بالغثيان، بالانتهاك، بالتشويش، بالانزعاج، والغضب. كنت الشاهد الوحيد على هذا الحدث. جسدي هو الذاكرة التي حملته.

أن تشارك ذكرى يعني أن تحول الجسد إلى كلمات. ماذا نفعل عندما تحدث مثل هذه الأشياء؟ من نصبح؟ واصلت ما كنت أفعل. بدأت في الركض مرة أخرى. لكن الأمر كان مختلفًا، كنت مختلفة. كنت أكثر توترًا، كنت متأهبة، متوترة، منتظرة، في كل مرة يظهر فيها شخص ما ورائي. كان شعوري بجسدي مختلفًا، حيث اختلفت الطريقة التي أواجه بها العالم.

مثل هذه التجارب يبدو أنها تتراكم بمرور الوقت، وتتجمع مثل الأشياء في حقيبة، لكن الحقيبة هي جسدك، حيث تشعر بتزايد الوزن الذي تحمله أكثر فأكثر. يصبح الماضي ثقيلاً. نمتلك جميعًا روايات ذاتية مختلفة من العنف، متشابكة كما هي مع العديد من جوانب أنفسنا، الأشياء التي تحدث بسبب الطريقة التي يُنظر أو لا يُنظر إلينا بها، حيث نجد طريقة لسرد ما يحدث، والتعايش معه.

هذه النسخة منك هي أنا. حيث يبدو أنك تتلقين نفس الرسالة مرارًا وتكرارًا. في المدرسة، حيث المتعري الذي يواصل الظهور. حينما تمرين بمجموعة من البنات والأولاد، فيصرخ أحدهم طالبًا منك العودة لأنك “مثيرة جنسيًا” ثم يضحكون جميعًا. وفي المرة التي تصادفين فيها رجلاً يستمني تحت شجرة في متنزه المدينة، ويطلب منك أنت تأتي وتلقي نظرة، ثم يلاحقك عندما تحاولين الابتعاد عنه مسرعة. عندما يظهر رجل كاشفا نفسه أثناء سيرك في الشارع مع أختك. أو عندما تنتظرين في محطة الحافلات ويتوقف أمامك مجموعة من الرجال في سياراتهم يطلبون منك الركوب، ويبدئون في الصراخ والسخرية عندما تهربين. وفي المرة التي تنامين فيها أثناء رحلة طيران طويلة، لتستيقظي على أحدهم يتلمس جسدك.

أتذكر كل واحدة من هذه المناسبات، ليس فقط على أنها تجربة تعرض للانتهاك، ولكن كحالة حسية مرهقة جدًا، لدرجة يصعب استيعابها في ذلك الوقت. لا يزال بإمكاني سماع ضجة الأصوات، السيارة وهي تبطئ سرعتها، الدراجة التي تندفع نحوي، الباب الذي ينفتح، صوت الخطوات، اليوم الذي حدث فيه ذلك، همهمة الطائرة الهادئة عندما استيقظت. يمكن للشعور أن يتعاظم بعد الحدث.

في ذلك الوقت يحدث شيء ما في كل مرة. تشعرين بالارتباك. هذه التجارب: ما هي آثارها؟ ماذا تفعل بك؟ تبدئين في الشعور بالتوتر، هذا الاعتداء المستمر على الحواس، حيث يمكن لجسد على اتصال بعالم أن يصبح جسداً يخشى لمسة العالم. تعرفين العالم كمتطفل حسي. إنه أمر جلل.

لعدم التعرض للاعتداء، قد تحاولين الانغلاق على نفسك، الابتعاد عن الاعتداءات المحتملة. أو ربما تحاولين التعامل مع هذا العنف عن طريق تخدير أحاسيسك، من خلال تعلم ألا تتأثرين أو أن تكوني أقل تأثراً. ربما تحاولين أن تنسي ما حدث. قد تشعرين بالخجل. قد تظلين صامتة. قد لا تخبري أي شخص بما حدث، أو تقولي أي شيء، وتحترقين بشعور من التكتم. ويصبح هناك عبئًا آخر، ما لم يُعلن. ربما تتبنى لنفسك نوعًا معينًا من القدرية، هذه الأشياء تحدث، ما سيحدث سيحدث. كل ما سيكون سيكون.

Tags:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X